الجمعة، 16 أغسطس 2019

صوت أم كلثوم


صوت أم كلثوم لا يعرف الفيزياء,له قوانينه الخاصة,يحمله الهواء ليستقر في الوجدان,يحل القلب محل الأذن,يوقف عملها ويتصدي للسماع بأنانية المشتاق,ينساب إليه مثقلاً بعواطف صافية,مفارقة للعالم المادي المحسوس,لم أجده في أي مطربة أخري في الشرق أو الغرب,الصوت آلة موسيقية تشدو منفردة,فتتفح في الروح مساربها الهاربة في زحام الحياة والهموم اليومية الصغيرة,مع كل حرف أعيد اكتشاف ذاتي من جديد,في وجد صوفي ملتهب,تنفتح أمامي رؤي بديعة,طاقات منيرة أطل منها علي الكون وقد اكتسي حلة الفن.
تغني للحب فأصبح أرق من وردة نزل عليها ندي الفجر,تهتف بحياة وجلال الوطن,يشتعل دمي حماساً وألتهب فخراً ببلادي,تنادي علي أبا الزهراء أو تناجي الروح الإلهية فأحن للنقاء الديني...أسمعها في كل حالاتي فأغدو إنساناً وقد تخليت عن همومي وأطماعي وأزماتي,وتجردت في محراب هذه النعمة المسبغة عليّ.
حين يختلط صوتها مع صرخات الجماهير المعجبة,اسمع صوت آخر,صوت مصر يصدر من زمن آخر,كان بهياً بفنانين وأدباء عظام,تخفت أصوات الجماهير وتتجلي وتنطلق منها الكلمات,تخترق كياني وتداوي جراحاً وندوباً خلفها صخب المهرجين وزعيقهم المزعج"طاخ,طوخ,طيخ"هكذا أسمعهم يكيلون لذوقي الفني ضربات قاسية تصيبني بالدوار وأكاد أفرغ جوفي.
سمعتها وحدي في الصحراء تصدح من مكان بعيد,كأنها عادت من جديد تغني لي وحدي,وتصحبني في عزلتي,هل  شعرت بالدفء حقاً أم خيل لي لنزول دموعي ساخنة,لفني صوتها ودثرني حباً وحناناً.
فخور بهذا الصوت النابع من قرانا المصرية منجم المواهب والابتكارات,ولحظات كثيرة تمنيت لو كنت أحيا معه حقيقة,أتلقاه مباشرة دون وسيط؛لذلك لم أتعجب أبداً من جنون وتعابير أهل الحفلات,لقد سمعته بعد عقود طويلة وقبلت جهاز التسجيل في ولهّ فما لهم لا ينفعلون حتي ترتج  لهم الدنيا وهو يتلقونه لحظة ميلاده عالمين أنه لن يفني أبداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق