الجمعة، 2 أغسطس 2019

المتنبي في مرآة طه حسين


المتنبي في مرآة طه حسين
برقة معهودة من طه حسين مع زوجته,يهدي لها هذا الكتاب"ففي ظل هذه المودة درست هذا الشاعر العظيم,وفي ذري هذه الرحمة أمليت هذه الفصول.وإن قلبي ليملؤه البر ويغمره الحنان حين أذكر ما كنت تبدئين وتعيدين فيه,أثناء ذلك,من حث لي علي الراحة,ورغبة إليّ في التروض,وإلحاح عليّ في الاستمتاع بنعيم الحياة وجمال الطبيعة في جبال الألب,وما كنت ألقي به عطفك من إباء وإعراض,وما كان يثور في نفسك من غضب مصدره الرحمة والإشفاق".
يسرد ظروف تأليف هذا الكتاب,أثناء رحلته للاستجمام والراحة في إحدي القري الفرنسية الواقعة عند جبال الألب,وقد توفرت له فرصة لا يجدها وسط مشاغله وهمومه في البيئة المصرية؛ليصطحب فيها المتنبي,مع أنه ليس أحب الشعراء إليه ولا آثرهم عنده,بل هو بعيد عن هذه المنزلة,إنما يحاول اكتشاف سر هذه المكانة العظيمة التي يحتلها المتنبي علي مر الزمان,فيرسل خواطره كيفما اتفق علي هواه,حائماً حول المتبني وحوادث حياته الجسيمة.
يقسم طه حسين حياة المتنبي إلي خمسة مراحل:
1-صبي المتنبي وشبابه:وفيه حديث عن  نسبه الملغز,والظروف العامة المحيطة بولادته,والفترة التي قضاها  في العراق والشام وتجربته بين جدران السجن.
2-في ظل الأمراء:بداية تبلور شخصية المتنبي الطامعة للسيادة والسلطة,مبتذلاً نفسه وشعره طمعاً في التقرب من الحكام والأمراء,كالأوراجي وابن بدر وابن طغج وأبي العشائر.
3-في ظل سيف الدولة:الرجل الأشهر في حياة المتنبي,تسع سنوات قضاها معه أخرج فيها مدائحه فيه,ورثي أقرباؤه,ووصف حروبه مع الروم,وارتجل فيها الأشعار ليلائم مزاج سيف الدولة في الحوادث الفجائية,ثم الكيد والإيقاع بينها ثم إزماع الرحيل.
4-في ظل كافور:يورد فيها طرفاً صعوبات الحياة التي لاقاها المتنبي فترة مكوثه في مصر,وعلاقته المضطربة بكافور الإخشيدي حاكم مصرالذكي,المدرك لطبيعة المتنبي,مبرزاُ فيها دور الثقافة المصرية في تطوير شعره,وفي النهاية فراره من مصر وهجاؤه لكافور,يري طه حسين أن المتنبي في قصته مع كافور كان صغيراُ إذ مدح وإذ هجا,لكننا لا نحب الشعراء لأنهم يمدحون فلاناً أو يهجونه,بل لإجادتهم إذا أخذوا في المدح وإتقانهم إذا ألقوا الهجاء.
5-غنيمة الإياب:المرحلة الأخيرة من حياة المتنبي حتي ملاقاة حتفه علي يد فاتك؛لسخريته وهجاؤه المقذع  لابن أخته أحد أتباع القرامطة,الذين كان لهم شأناً هاماً في حياة المتنبي حيث جاراهم ثم هاجمهم.
في كل هذه المراحل يقف طه حسين عند أبرز القصائد التي قالها المتنبي,يقف أمامها معجباً أو ناقداً,في الحالتين صادق مع نفسه لايبالي إن أرضي أصحاب المتنبي أو أغضبهم.
في كلمته"بعد الفراغ",يمتعنا بآراؤه النقدية:
"إنما أريد أن ألاحظ أن هذا الكتاب إن صور شيئاً,فهو خليق أن يصورني أنا في بعض لحظات الحياة,أثناء الصيف الماضي,أكثر مما يصور المتنبي,وإنه لمن الغرور أن يقرأ أحدنا شعر الشاعر أو نثر الناثر,حتي إذا امتلأت نفس بما قرأ,أو بالعواطف والخواطر  التي يثيرها فيها ما قرأ,فأملي هذا أو سجله في كتاب,ظن أنه صور الشاعر كما كان,أودرسه كما ينبغي أن يدرس,علي حين أنه لم يصور إلا نفسه,ولم يعرض علي الناس إلا ما اضطرب فيها من الخواطر والآراء".
"شعر المتنبي لا  يصور المتنبي,أن شعر الشعراء لا يصور الشعراء تصويرا كاملاً صادقاً يمكننا أن نأخذهم منه أخذاً مهما نبحث,ومهما نجد في التحقيق"
"ديوان المتنبي إن صور شيئاً فإنما يصور حياة المتنبي,لا أكثر ولا أقل,كما أن هذا الكتاب الذي بين يديك إن صور شيئاً فإنما يصور لحظات من حياتي أنا,لا أكثر ولا أقل"
"إن نقد الناقد إنما يصور لحظات من حياته قد شغل فيها بلحظات من حياة الشاعر والأديب الذي عني بدرسه"
"ما أحق فكرة اللحظات هذه بشئ من العناية وما أدر العناية بها أن تردّ النقاد والأدباء الباحثين إلي شئ من التواضع هم في حاجة إليه"
في الختام يتوجه بالشكر إلي مساعده فريد شحاتة,المُملي عليه,وصديقه عبد العزيز أحمد ناشر الكتاب.
وهكذا تنتهي الرحلة التي صحب فيها طه حسين المتنبي,هذا الشاعر الذي"ملأ الدنيا وشغل الناس"علي حد وصف ابن الرشيق القيرواني له..وسيظل يشغلهم مادام الشعر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق