الجمعة، 18 سبتمبر 2020

بيت كفافيس

 

شادية فنانة في منتصف العشرينيات تحلم بالمسرح واستعادة مجده القديم,أطلق عليها والدها هذا الاسم لغرامه بالفنانة شادية,جمالها يجعلها تشع بهاءً وتألقاَ لها بريق لا يقاوم,الأنثي التي يحلم بها الرجال ويبحثون عنها في نساء عدة,مما يصيب نجمة الفرقة بالغيرة فتتحين الفرص لطردها,تنتهز وجودها علي خشبة المسرح متقمصة دوراً في مسرحية إليكترا لسوفوكليس,وحيدة قبل وصول الفرقة للبدء في البروفات,لا جمهور لها سوي عامل البوفيه العجوز الذي غلبه النوم في مقعده,وتأمر المخرج بطردها فيفعل راضخاً لسطوتها,فتتجه لبيت كفافيس حيث كانت تجد هناك عزاء عن القبح الحالي وتستذكر روح الإسكندرية الكوزموبوليتانية العامرة بالفنون والآداب والثقافة...وهذه المرة ستجد الحب.

كريم مؤلف تخطي الثلاثين ساخط علي منفذ منح شهادات أكل العيش الإجرامي كما يسمي طريقة التعليم أو بالأصح اللاتعليم! ولأن انهيار التعليم تسبب بفوضي عارمة في المجتمع المصري لم يعد أحداً في مكانه المناسب,ولا يرتقي سوي الأقزام بينما المستحقون الحقيقيون علي الهامش لا أثر لهم,وتآكلت الشخصية المصرية وتحول الاهتمام من القضايا الكبري الوطنية والعلمية إلي الغرق في التفاهات والسفاسف,يقنع كريم باستئجار محل لبيع الأدوات المنزلية ويعيش ضائعاً بين الأفكار والمعاني الجميلة التي تراوده ولا يجد فرصة لكتابتها,واستنزاف طاقته وروحه في الفصال وعمليات البيع والشراء,يدفع كريم إتاوة لفاروق بلطجي المنطقة(خمسين جنيه إسبوعياً من كل محل)نظير عدم تكسير المحل والاعتداء علي صاحبه,وكلما يدفعها كريم يتذكر معاركه في الجيش المصري العظيم أثناء مكافحة الإرهاب,فيغتاظ لكنه لا يريد المشكلات يود أن يحيا في سلام,في ذلك اليوم يغضب فاروق بسبب إهمال كريم لحديثه وترك مينا شريكه يتكلم معه بينما هو غارق في قصيدة لكفافيس وبأسلوب ساخر قاس يجبره فاروق علي دفع الضعف,يقترب منه ويغلق الديوان فينظر لصورة كفافيس ويبتسم مستهزئاً:

-وكمان خمسين جنيه إكراماً للراجل الطيب أبو نضارة ده...اللي بيبص لي بقرف

ثم يمزق الغلاف يقوم كريم وفي عينيه الغضب لكن مينا سرعان ما يتدخل:

-هم بيسترخصوا في الورق ولا ايه أي لمسة تقطعه؟!

ويخرج ليجمع بقية المال من أصحاب المحلات,وتدخل في إثره امرأة تثير أعصابه المتعبة بالفصال وتستفزه بأسلوبها المستهين به,تتفاقم حسرته ويتأمل صورة كفافيس المقطوعة ثم يهرع للخارج هارباً إلي بيت كفافيس.

تعرف كريم علي مينا في الجيش خلقت المعارك في سيناء بين الرجلين صداقة تعمدت بالأخوية حيث أنقذ كريم حياة مينا وتلقي عنه رصاصة,وعندما استأجر كريم المعرض طلب منه في البداية أن يديره بالكامل لكنه رفض لأن كريم سيعيش في خيالاته وسينفصل نهائياً عن الواقع,الآن يلومه كريم:

-لو كنت انفصلت عن الواقع البغيض ده كان أحسن لي,واقع ايه ده تعليم زفت قلته احسن علي الاقل مش هايكون فيه جهلة بشهادات تغطي عوراتهم,والنتيجة مفيش حد حتي عنده أدني درجة من المعرفة العامة تقدر تناقشه في أي حاجة,ماكنتش سمعت أغاني مهرجانات زفت ولا كنت احتكيت بواحد زي فاروق ده يخلي الايد اللي رفعت سلاحها في وش كلاب الارهاب اللي بتنبح عالراية العالية في السما تدفع اتاوة عشان تعيش بعد ما شافت الموت بعنيها.

وهناك يراها وتراه فتتلامس الأرواح من أول نظرة وفي عينيها يري مصيره.

يجدها دامعة العينين في البيت الفارغ,يثير شجونه الوجه البديع الحزين فيقف متأملاً مسحوراً بسطوة الجمال,تنتبه وردة لوقفته الصامتة فتمسح دموعها بيدها ويفيق كريم خجلاً ولا يعرف ماذا يفعل,يقدم لها منديلاً فتأخذه شاكرة,وترتسم علي وجهها أجمل ابتسامة رآها كريم في حياته وفي لحظة يدخل عليهما ضيف جديد اسمه الحب فيبتسم هو الآخر ويختفي تجهمه السابق فتتسع ابتسامتها لتغيره المفاجئ ويجدا نفسيهما يضحكان بصفاء كأن العالم خلا من الآلام:

-أكيد بتقول مين اللي سايبة الدنيا دي وجاية هنا تعيط جنبك كفافيس.

-أبداً,أنا نفسي جاي أعيط!

يتعرفان علي بعضيهما ويدخلان أثناء وجودهما في المتحف في حوارية عن الفن,وعندما يخرجان من البيت وهما يتبادلان الحديث في مودة وتفاهم,نعود بالزمن لمائة عام مضت كفافيس يدخل منزله خائفاً بينما الهتافات بحياة مصر وتعانق الهلال مع الصليب تدوي في أسماعه,يقف في الشرفة متوتراً يقاوم خجله المرضي وانعزاله فيهتف مع الهاتفين ثم يغلق الشرفة ويدخل مسرعاً ليكتب قصيدة وعندما ينهيها يستمع لصوت طلقات الرصاص فينتفض كأنه هو من أصيب ويهوي علي المقعد.

شادية تعيش مع والدتها ياسمين امرأة من زمن جميل ولي,متعلمة,بحق راقية شهدت زمن الأساتذة الكبار وتفاعلت مع فن الزمن الجميل وتشبعت بقيم حول العمل والحرية والتقدم والاعلاء من قيمة الثقافة أمام أي شئ,لذلك هي الآن تشعر بالغربة ليست هذه الأسكندرية التي ولدت فيها وعرفتها هذه مدينة أخري احتلها المتطرفون بقيمة واحدة التمييز والاستعلاء الوهمي ومحترفي هدم الجمال وصاخبي المهرجانات المزعجين الذين يصيبونها بالغثيان,في حجرتها صور للفنانة اليونانية إيرين باباس تقف أمامها شادية وتحدثها عن كريم:

-يظهر يا ست إيرين إني لقيت حب حياتي وأنا في أكتر لحظة كنت مكسورة فيها في عمري,وحاسة إني انتهيت كممثلة وكإنسانة,فاكرة لما قلت لك العمر بيجري وأنا قلبي عمال يدوب ويتوه وخايفة لما أحتاجه في يوم ألاقيه اختفي,النهارده باقولك خلاص قلبي بقي محفوظ في ايد أمينة...يا سلام علي سهم كيوبيد ده أما حلو بشكل!

لفاروق زوجة اسمها ناهد لكنه عندما ينسطل يدعوها بأسماء أخري قد تكون أحياناً مهينة,لا هوية لها عنده مجرد جسد يفرغ فيه شهوته الجنسية وقد يصيبها بجروح وكدمات من الضرب تأكيداً علي نشاطه الجنسي العارم كما يريد أن يتهيأ له,ناهد أم لفتاة قاربت علي سن البلوغ تدعي رحمة ,ناهد تكرهه وتشمئز منه لكن تهديداته تخضعها لرغباته فتعيش في جحيم الخوف من فاروق والخوف علي ابنتها التي بدأ يفوح منها عطر الأنوثة.

الحب ينمي في الإنسان الكرامة والاحساس بالذات ويدفعه لخلق حياة أجمل ورسم مستقبل أرقي من الحاضر المزري,وعندما تتوثق علاقة كريم بشادية وتتخذ شكلاً رسمياً بالخطوبة,يعاني كريم من عقدة فاروق كيف يمكن حماية زوجته وهو عاجز عن حماية نفسه,تلحظ شادية شروده أثناء نزهتمها علي الكورنيش فيتحجج بأنها مشاكل في العمل.

-عشان الشغل ده مايناسبكش!

-عارفة ايه اللي جذبني فيكي أول مرة؟قولت مين العسل دي اللي سايبة الدنيا وجاية تعيط في بيت كفافيس؟عرفت انك مختلفة من لبسك المتحرر ومش هامك المجتمع المتخلف اللي بنعبده وعايشين عشان نرضيه وكان طالع من شنطتك مسرحية إليكترا وأنا متيم باليونان ودراما اليونان قولت بس هي دي اللي هاتحلك من علي حبل مشنقة الواقع,بس ماتخيلتش ان اختلافك يوصل لمصدر الدخل اللي أي واحدة بتهتم بيه يمكن كمان قبل الراجل نفسه.

-أنا مش أي واحدة يا أستاذ أنا فنانة يهمني الإنسان قبل أي حاجة في الدنيا,مصدر الدخل ده لما نبقي بنشتري حاجة بالقسط,لما نبقي عايزين نعمل شركة مش لما نبقي بنخطط لحياتنا وسعادتنا!

تحتضنه ندي غير عابئة بنظرات الرجال والنساء التي تدينها من حولها,بعيون تعودت علي النفاق وكبت المشاعر واعتبار الحب رذيلة,تلك النظرات الحادة المتهمة تزيدها تشبثاً به,تمسكه من كتفيه:

-تنفع تبقي حبيبي!...وده أحسن منصب في الدنيا.

كفافيس يعود من رحلة علاجه وقد فقد صوته,يهبط إلي ميناء الأسكندرية ويتنفس الهواء بعمق,يحبسه في رئتيه ثم يزفر زفيراً حاراً ويذرف دمعة.

يمتنع كريم عن دفع الإتاوة المقررة فيغضب فاروق وتجتمع عصابته بهدف تأديب كريم,عند دخولهم الشارع يغلق التجار محلاتهم ويقفون أمامهم يشاهدون فاروق يتجه نحو كريم,يقف كريم بشجاعة أمام فاروق غير عابئ بما يحملونه من عصيان وسكاكين بجواره مينا,النساء في الشرفات تدعي علي فاروق,يرفع عصاه في وجه كريم:

-ايه ياله اللي خلالك تبطل تدفع؟كشفت عند الدكتور وطلعت راجل؟!

تضحك العصابة بغوغائية.

-أنا طول عمري وأرجل منك.

يرفع أحد البلطجية عصاه يريد أن يهوي علي رأس كريم فيمسكها من خلفه أحد أهل المنطقة الذين استفزتهم شجاعة كريم وحده في مواجهة المجرمين,وتدور معركة حامية بين البلطجية والأهالي تنتهي بهزيمة مهينة لفاروق وإصابة مينا دفاعاً عن فاروق وبينما ينزف يقول ضاحكاً لكريم:

-كده خالصين.

يصمم فاروق علي الانتقام ويحضر كلباً متوحشاً,يمكن لكريم أمام بيته,لكنه يتوقف عندما يري شادية معه,يثيره جمالها ويقرر الانتقام منه في شخصها,مع تحضيرات الزفاف تضطر شادية أحياناً للعودة للمنزل متأخراً وذات ليلة تعود في غاية السعادة حاملة فستان زفافها,فينقض عليها فاروق ورجلين من العصابة يخطفاها وينقلاها لإحدي الأماكن المهجورة ثم يغتصبها وعدوانية,ويتركها بين الحياة والموت ثم يفر هارباً.

يتولي القضية الرائد هشام,ضابط مثالي ممن يعرفون واجبهم في الحياة ولا يتوانون لحظة في سبيل تأديته,رجل يستطيع تمييز الحق من الباطل في زمن اختلطا فيه وأصبحت الأمور غير واضحة علي كثير من الناس,يُدمي قلبه وهو يراها طريحة الفراش في غيبوبة كلما أفاقت منها تصرخ من الألم الجسدي والنفسي بأنها تريد الموت ولانتحار,بينما كريم ممتقع الوجه يحيا كابوس فظيع يتأبط ذراعه ويتوجه به خارج الحجرة ويقول بصرامة:

-الكلب فاروق ده هاجيبه!ميري ملكي هاجيبه حتي لو رجع بطن أمه تاني هاوصله!

-حاسس إني السبب ياريتني كنت دفعت وخلاص!

يثور هشام:

-غلط مش ده الحل وانت مش السبب.السبب ظروف تانية كلنا مسئولين عنها.

يبدأ هشام رحلة بحثه عن فاروق بصفته ضابط وبشخصه كرب أسرة وأب لابنتين يريد أن يبعد عن طريقهما الأذي,وأثناء بحثه يلقي العديد من القضايا والمشكلات الاجتماعية الأخري,لكن خيط العثور علي فاروق تقدمه له عشيقته ناهد التي أصبحت تخشي علي ابنتها من فاروق منذ رأته يتجسس عليها في الحمام,وتقرر الخلاص منه والتبليغ عنه وبالفعل يستطيع هشام بمعاونتها القبض عليه بعد مطاردة كاد أن يفقد فيها حياته.

في تلك الأثناء كانت شادية بدأت تفيق,انطفأ بريقها وأصبحت البنت صاحبة الحيوية والإقبال علي الحياة صاحبة نظرات تائهة بعيون ميتة,لا تريد مقابلة كريم ولا رؤيته,تخاطبه عبر الموبايل باقتضاب:

-أنا مابقيتش أنفع لك ولا لأي مخلوق,خلاص شادية خطيبتك ماتت.

كفافيس في المستشفي اليوناني يسير صامتاً في أرجاؤه ويعود لحجرته محزوناً.

باءت كل محاولات كريم للقاء شادية بالفشل تراه فتهرب منه في المستشفي وتصرخ بجنون حتي إنها تثير خوفه ودموعه فيضطر للخروج.

يعلم الرائد هشام بموقفها,ينتظر عودتها إلي المنزل,يزورها مع ابنتيه للاطمئنان عليها,يحاول أن يقنعها ويدور بينهما حوار حول القدر والحب والأمل المتجدد في الحياة طالما عيوننا مفتوحة عليها,أثناء حديثه معها يسقط بعض العصير علي صدر البنت الكبري,تمسحه شادية بأمومة فطرية فتنظر لها البنت بابتسامة عذبة وتري فيها شادية مستقبل جديد يحتاج للدعم ولضرب مثل في الصبر والاحتمال,فتلين لكلام هشام.

تدخل علي كريم في المحل فتجده يرتب البضائع في تثاقل وكرب,يراها مينا فيكاد يصرخ فرحاً,تشير له بالصمت وتتقرب منه:

-باقولك ايه ما تيجي نروح بيت كفافيس شوية.

يلتفت لها كريم فيحتضنان بعضهما في شوق وحنان.

كفافيس يحتضر في ساعته الأخيرة,يرسم دائرة في منتصفها نقطة ويسلم الروح.

شادية وكريم بعد سنوات يسيران مع ابنهما الصغير وعلي موسيقي زوربا يتراقص الثلاثة في مرح بينما البدر ينير الشاطئ.

 

م/1                                                                                ن/خ

صالة المسرح

-شادية فتاة في منتصف العشرينيات,رقيقة دون افتعال,وجهها الجميل المادة الخام لأحلام الرجال,تقف علي المسرح وحيدة في الظلام,مقاعد المتفرجين خالية إلا من عامل البوفيه العجوز ينظر لها في تشجيع وهي تلقي مقطوعة من مسرحية إلكترا لسوفوكليس علي لسان كروسوتيميس

شادية(متقمصة الدور مفارقة للواقع):نعم ولو لم تكن ضائعة الصواب لحفظت علي نفسها ما ضيعت من حذر واحتياط..فمن أين اتخذت هذه الجرأة التي تدفعك إلي هذا الخطر وتزين لك الاستعانة بي عليه؟إنك لتجهلين ما تريدين,لقد ولدت امرأة لا رجلاً,وإن ذراعك أضعف من ذراع أعدائك.

مزج

م/2                                                                                    ن/د

شقة ناهد

غرفة النوم

-ناهد أرملة ناضجة,متمددة في أحضان فاروق و علي وجهها التأفف,بينما فاروق يقضم تفاحة في شره,رجل علي وجهه علامات الإجرام ممن نراهم فتنقبض قلوبنا علي الفور,يرفع رأسها نحوه فتغتصب ابتسامة مزيفة,ثم يقبلها بعنف حتي يدمي شفتيها فتصرخ,بينما هويضحك لألمها.

ص.شادية:وإن الحظ ليواتيهم من يوم إلي يوم,وإنه ليعرض عنا أشد الإعراض.فمن ذا الذي يقدر في نفسه قتل رجل كإجستوس ثم يخلص من ذلك دون أن يندب حظاً شقياً تعساً.إحذري أن نجر علي أنفسنا شقاء أشد وأنكي من هذا الشقاء الذي نحن فيه..إن استمع أحد لما قدمت من القول فلن ينفعنا ولن يغني عنا أن يبعد صوتنا,ويحسن الحديث عنا,لنموت في الذل والإهانة.

مزج

م/3                                                                               ن/خ

أمام محل كريم

-شارع شعبي ضيق,امرأة جالسة علي الرصيف المقابل تقشر البطاطس, متسول نائم أمام باب المحل,كريم ومينا يوقظانه,كريم شاب وسيم له نظرة مكسورة كأنه حرم من شئ ما قليل الاختلاط بالناس مينا شاب يميل للمرح(إدارجي وحِرك)يقف المتسول يهرش رأسه ويمد يده سائلاً,يتجاهلانه,ينحني مينا لفتح القفل.

-في العمارة المقابلة تنفخ فتاة في دائرة فقاقيع الصابون,فيمتلأ الشارع بفقاعات متطايرة,وفي الشرفة المجاورة فتاة لعوب في لباس منزلي مكشوف الكتفين تضحك لكريم في إغراء,ونشعر من نظرته لها بجوع جنسي

ص.شادية:ليس الموت في نفسه شراً,وإنما الشر أن ندعوه فلا يستجيب لنا.إني لأضرع إليك أن تكفكفي من غضبك قبل أن يقضي علينا الموت وقبل أن تمحي أسرتنا من الأرض.

مزج

م/4                                                                             ن/د

المسرح

شادية:سأحفظ كلامك في نفسي كأنك لم تنطقي,وسأعرض عن اتباع ما أشرت به عليّ؛فأما أن فثوبي إلي الرشد آخر الأمر وأذعني لأصحاب السلطان مادمت ضعيفة لا تستطيعين المقاومة.

   -تدخل سميرة نجمة الفرقة بصحبة المخرج, بمكياج مبالغ فيه تحاول به خداع الزمن وتغطية آثاره,تري شادية واقفة علي المسرح فيبدو علي وجهها علامات الغيظ الشديد,تصرخ في وجه الجميع,فتضطرب شادية وتعود إلي الواقع وتهبط من علي خشبة المسرح,يصحو عم نصحي من النوم الذي غلبه في مقعده.

سميرة:فين الحمار اللي اسمه نصحي اللي منبهه عليه مفيش مخلوق يهوب ناحية الخشبة بتاعتي,هو المسرح ده يا اخواتي بقي ميغة ولا ايه؟!

-يهرع ناحيتها نصحي بخوف ويبرر موقفه.

نصحي:سامحيني يا ست أنا كنت نايم.

سميرة:نايم ولا قاعد بتتفرج علي ست الحسن والجمال,البت دي تغور حالاً يا إما وربي هاقلب المسرح ده عاليه واطيه,ما بقاش إلا العيال كمان يطلعوا عالمسارح.

شادية(للمخرج):المسرح كان فاضي قلت أطلع أتدرب شوية,مش جريمة دي يا أستاذ حسين.

-المخرج ينظر لها بمعني(اسكتي دلوقتي)ترمقه سميرة فيواري مشاعره الحقيقية المتعاطفة مع شادية.

المخرج:هدي نفسك يا فنانة أحسن الضغط يعلي عليكي تاني.

سميرة(بحسم):تطلع حالاً

المخرج(راضخاً):أوامرك.

قطع

م/5                                                                                   ن/خ

أمام المسرح

-المسرح يعلوه من الخارج بوستر دعائي سخيف جداً لمسرحية(اشتغالات في الهجايص)بطولة سميرة مع صورة لها غارقة في المساحيق,شادية والمخرج يخرجان,شادية حزينة.

المخرج:كنتي عظيمة!

-شادية تبتهج.

شادية:يعني هاشتغل.

المخرج:ماهو عشان انتي عظيمة للأسف مش هاتشتغلي!هي دي مسرحية إيه؟

-شادية تنظر له في إحباط.

شادية:قول لعم نصحي ما يزعلش من الكلمتين اللي سمعهم بسببي.

-تسير في حزن يتابعها المخرج بنظرة مشفقة,ثم يتذكر سميرة فيسرع نحو الداخل

قطع

م/6                                                                                    ن/د

المسرح

-سميرة تؤدي بروفة,أمامها رجل يرتدي ثياب سيدة,يلتصق بها فتجفل سميرة,في ادعاء.

الرجل:ماتخافيش ياحبيبتي احنا ستات زي بعض والدنيا زي ما انتي شايفة زحمة

سميرة:هي فين الزحمة دي؟

الرجل:زمانها جاية

-الممول الخليجي للمسرحية في مقاعد المتفرجين,يضحك في سعادة,تمنحه سميرة قبلة عالطاير.

قطع

م/7                                                                                    ن/خ

محل كريم

-محل لبيع الأدوات المنزلية,البضائع شعبية ورخيصة,مينا يقف علي الرصيف بينما كريم في الداخل يجلس علي المكتب يقرأ أعمال كفافيس,يدخل فاروق وهاتفه يزعق بإحدي أغاني المهرجانات المزعجة المثيرة للأعصاب,يبدو واثقاً من سطوته,يدخن سيجارة يدخل خلفه مينا,ينطر كريم لفاروق باشمئزاز لكنه فاروق لايلاحظه

مينا:صباح العسل يا معلمة

فاروق:صباح الصباح يا مينا.أبوك عامل ايه لسه قاعد عالنت ليل نهار.

مينا:انت عارف المعاش وعمايله بقي.

فاروق:أبوك ده كان مدرس الإنجليزي بتاعي,وآدي النتيجة أهوه طالع ولا حتي أعرف اكتب اسمي بالانجليزي!ثانك فيري ماتش اكسلانس(تتغير لهجته فجأة ويتحدث بصرامة)فين الخميس بتاعي؟

مينا:جاهز يا معلم فاروق

-مينا يفتح الدرج أمام كريم ويخرج خمسين جنيهاً,بينما كريم غير عابئ بفاروق ما يزال يقرأ كفافيس.

-يقبض فاروق علي الكتاب,يسحبه من يد كريم فيتمزق الغلاف.

فاروق(لكريم بلهجة قاطعة):وخمسين جنيه كمان عشان الراجل الطيب أبو نضارة ده,هو بيبص لي بقرف ليه كده.

-يبدو علي كريم الغضب,ينظر له فاروق في تحد, تمر لحظة توتر ينهيها كريم بمد يده داخل الدرج,يسحب النقود ويعطيها لفاروق.

فاروق:تاني مرة لما معلم الحتة يعمل لك قيمة ويجي لك بنفسه تبقي تقوم وترحب بيه,المرة دي هافوتهالك عشان انت جديد في المنطقة إنما المرة الجاية هاتزعل وانا اللي يزعل مني مرة يفضل يبكي طول العمر(يشير لمينا)خليك سلكاوي زي صاحبك السهتنة اللي انت فيها مش هاتنفعك.

-يخرج متباهياً بقوته.

-مينا وكريم يتبادلان النظرات في صمت

فلاش باك

م/8                                                                                    ل/خ

جبال سيناء

-كريم ومينا في الزي العسكري يداهمان أحد أوكار الإرهاب,يطلقان النيران بكثافة ويرد عليهما الإرهابيون,يتواريان خلف إحدي الصخور,يتقدمان في حذر يخرج أحد الإرهابيين ويصوب نحو مينا يدفعه كريم عن مرمي النيران فتستقر الرصاصة في ساقه,ثم يهرب الإرهابي,يتوجه نحوه مينا,يدفعه كريم بقوة

كريم:روح هات ابن الشياطين ده

عودة إلي

م/9                                                                                    ن/د

محل كريم

-كريم يقف أمام مينا

كريم:فاكر كلام العميد مصطفي الله يرحمه,لما كان بيقول إن دوركوا كمدنيين هو نفسه دوركوا وانتوا جنود,رد الظلام والعدوان عن بلدكم بكل الوسائل.

-مينا لا يرد

كريم(ينفث عن غضبه):قولت لك من الأول شغل انت المحل وسيبني مارضيتش وقولت نبقي شركا في راس المال والمجهود

مينا:ماكنتش عايزك تغرق في عالم الخيال اللي كان بيجذبك ويلهيك عن الواقع,القراية الكتير دي تلحس المخ

كريم:واديني غرقت في قبح الواقع,واحتكيت بفاروق واللي زيه...كنت خليني في الخيال يا أخي,الواقع كله زي جنين بشع مخيف,نتاج تعليم مزفت مالهوش علاقة بالتعليم من الأصل بيطفي العقول المنورة,جريمة بتحصل من سنين وآدي النتيجة بنشوفها كل يوم حوالينا,عارف أنا سبت البتاعة اللي اسمها الكلية دي له مش بس عشان قرفت,القرف بقي شعور طبيعي خلاص انما أنا صعب عليا عقلي اللي نوره قامات إنسانية منهم مصريين مابقاش في زيهم خلاص,لقيته هايندبح وآخد ورقة عشان آكل بيها عيش...أنا كنت عايز أنا اللي أعمل العيش,وزي ما مارضيتش أبيع عقلي مقابل شهادة مزيفة دلوقتي مش قادر أبيع كرامتي عشان أمان مزيف.

مينا:عشان تشتري لازم تبيع,احنا خلاص بقينا تجار مش أفندية

-تدخل امرأتان من عينة النساء القرشانات,تفتشان في البضائع, يتجهان لكريم,لحظات فصال لا نسمع فيها ما يقال لكننا نسمع موسيقي تعبر عن حالة الاغتراب التي يعيشها,طريقة النساء سوقبة ومستفزة,كريم يتعصب ثم فجأة تلتقي عينيه بعيني كفافيس في الصورة المقطوعة علي علاف الكتاب,ثم يهرع إلي الخارج كأنه يهرب وسط دهشة مينا و المرأتان.

م/10                                                                               ن/خ

شارع

-كريم ينتظر الميكروباص وسط زحام وخليط غير متجانس من البشر,بمجرد ظهور الميكروباص يهجم عليه الجميع بهمجية وعندما ينطلق نجد كريم ما يزال في مكانه,يبتسم بمرارة ثم يقرر السير.

قطع

م/11                                                                               ن/د

متحف كفافيس

-الوقت عصراً,الشمس الآن بساط ذهبي ناعم يتسلل عبر النوافذ,شادية وحيدة في المتحف جالسة علي كرسي تبكي في صمت,يدخل كريم من الباب متجهماً حزيناً,يراها فيتسمر مكانه مبهوتاً,وتبدو لعينيه في صورة تمثال العذراء ذات الوشاح فيتخيل وشاح أبيض يهفهف علي وجهها.

-صورة لتمثال جيوفاني سترازا.

-تؤثر دموعها فيه, يقترب منها,يخرج منديلاً من جيبه ويقف لحظة متردداً,يمد يده نحوها فتتقبله منه بتلقائية شديدة,تمسح عينيها وأنفها وهي منهمكة في البكاء.

شادية:شكراً.

-تنتبه لنفسها ترفع عينيها لوجه كريم,تبتسم للموقف فيبتسم هو الآخر.

-من النظرة الأولي تولد مشاعر الحب بينهما,ولادة طبيعية انسيابية تبدو في اختلاجة فم أو نظرة العين.

شادية:أكيد بتقول مين اللي سايبة الدنيا دي وجاية هنا تعيط جنب كفافيس.

كريم:أبداً,أنا نفسي جاي أعيط!

-شادية مندهشة

كريم:بس دموعي هاتكون رواية عايز اكتبها عن كفافيس...بكا الرجالة مختلف عن بكا الستات.الست ممكن تعيط في أي مكان من غير ما تخجل لكن الراجل بيلاقي حاجات تانية يفرغ فيها عن حزنه.

شادية:انت كاتب؟

كريم:تقدري تقولي إن ليا حياتين حياة الدنيا عايزاها مني ففتحت محل أدوات منزلية,وحياة تانية أنا عايزها من الدنيا فبحاول أكون كاتب.

-يلمح في شنطتها المفتوحة مسرحية إليكترا.

كريم:حاجة كده شبه دكتور جيكل ومستر هايد... وانتي؟

شادية:ممثلة.

كريم: مابتابعش الأعمال الجديدة لا في السينما ولا في التليفزيون,مفيهاش حاجة تشدني زي أعمال زمان العظيمة,طلعتي في ايه؟

شادية(ضاحكة):طلعت مطرودة من المسرح.

كريم:يظهر إن كل الخيوط اللي جابتنا هنا متشابهة,حتي لو كانت بعيدة.

شادية:تعرف إنك أول واحد يعرف إني ممثلة ومايسألنيش السؤال الخايب بتاع البوس بجد ولا كده وكده.

كريم:الحقيقة إن رؤيتنا للفنون كلها مشوهة التمثيل ده فن عظيم شوفنا فيه نفسنا وعشنا أحلام جميلة ومرينا بكل المشاعر الإنسانية الراقية من خلاله.

شادية:هو انت خريج إيه؟

كريم: أنا مابعترفش بنظام التعليم في مصر ,هربت منه وماكملتش فيه.

شادية:عشان كده طلعت بتفهم!ولا عمري أنا كمان حسيت إنه فادني بحاجة إن مكانش ضرني,نغش عشان ننجح ونكدب عشان ماننضربش,وضرب ايه تقولش انتقام!!وكل مدرس خصوصي عايز يتشهر لازم يضرب أقوي من التانيين والعيل يشيل الهم وهو لسه بيتفتح للدنيا(تلمع في رأسها فكرة) يمكن عشان كده بقي قانون العنف هو السايد والعادي وبقت الأم تعلم ابنها اللي يضربك اضربه ولا كأننا في حلبة مصارعة!والنتيجة حوادث عنف عمرنا ما سمعنا عنها قبل كده...ولا بقي عندنا حتي ناس كويسة في أي مجال.

-ينظر لها كريم بإعجاب متزايد.

كريم:وهنا ييجي دور الفن,عشان يصلح اللي أفسدته طريقة متخلفة,بنشر المعاني والمشاعر الجميلة,مادام اللي شغالين في التعليم نفسهم ماتعلموش,لازم الفنان طاقته تتضاعف عشان يقدر يسد العجز الرهيب اللي موجود.

-ينظر في ساعة الموبايل

كريم:الساعة خمسة,المتحف هايقفل(متردداً خجلاً)هاتيجي بكرة؟

شادية:لو انت هاتيجي.

-يشير لها باحترام أن تتقدمه نحو الباب,توليه ظهرها وتبتسم في سعادة,يتبعها كريم علي وجهه نفس الابتسامة,وكل منهما لا يري وجه الآخر.

-يتوقف قبل أن يخرج,وتكون هي قد وصلت للسلم.

كريم:ممكن أعرف اسمك ايه؟

شادية:بكرة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق