الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

نظرات نساء وليد عبيد

 

بالفرشاة والألوان يصور الفنان وليد عبيد حياتنا العصرية في المجتمع المصري,متخذاً المرأة وهي أضعف أطرافه وسيلة فنية تحمل آيات العذاب والأمل متجاورة مع التحدي والرغبة في الخلاص,أكثر من تأثر به الفنان الهولندي رمبرانت, يربط رمسييس يونان في كتابه "دراسات في الفن" بين رمبرانت وأديب العذاب البشري الخالد دوستويفسكي "رمبرانت فيه شئ من دوستويفسكي,ولعله أشد من اقترب من المصورين من واقع وجه الإنسان ودقائق خلجاته"ذلك التأثير طغي لي أعمال وليد عبيد فكل لوحة فيها شئ من الألم حتي ولو بدا متخفياً تحت ستار من الازدراء أو الاستخفاف.

بيكاسو يتأفف ممن يحاولون فهم الفن ويقول لماذا لا يحاولون فهم لغة الطيور,أو لماذا نعشق الأزهار والليل وكل ما هو جميل,دون أن نحاول فهمها؟...تلك المحاولة ليست لفهم طبيعة فن وليد عبيد ولا تفسيره بل مجرد رغبة بالاستمتاع بروعة هذا الفن,واكتشاف عالم هذا الفنان,فإذا زادت عليها متعة الكتابة فأي لذة أكثر من ذلك يبغيها الكاتب من عمله؟!

فعل فاضح:

امرأة تعرضت للتو للضرب والامتهان عينها اليمني متورمة من أثر اللكمات,وعلي كتفها بقع دموية,لكن عينها اليسري المفتوحة تنظر في تحد تستمده من قوة داخلية,لا تتماشي مع الإطار المحيط بها,جلستها علي السرير مغطاة ببطانية في وضع يشي بالعجز,والعنكبوت خلفها دليل علي قدم الوضع واستمراريته.

تعدل تلك اللوحة واسمها كما اختاره الفنان من مفاهيمنا حول الأفعال الفاضحة التي في تفكيرنا مرتبطة بالأوضاع العاطفية والجنسية,أما الإهانة والضرب والقسوة والاذلال فلا تتداخل مع ذلك المفهوم!!

نظرة هذه الفتاة مباشرة في عين المتأمل لتفاصيل تلك اللوحة,هي الفعل الذي يفضح عيوبنا,لا تتوسل ولا تستدر العطف,إنها تصوب عينها السليمة نحو المجتمع الذي يمارس أشكال القسوة اليويمة علي الضعفاء عموماً والنساء بصورة خاصة,كأنها سينطلق منها رصاصة انتقام عاجلاً أو آجلاً,فالعنف هو لغة المجتمعات المتخلفة,حيث العقل عاجز عن العمل وتوليد كلمات تنطلق من الألسنة لينفتح الحوار وتتفرع الأفكار وبالتالي تتقدم المجتمعات,الطريقة الوحيدة للتعبير هي الضرب وهو الوسيلة المفضلة عندنا في كل شئ,بدء من الشخص الغير مؤهل علي الإطلاق ليدرس للأطفال في المدارس,فيذيقهم ألواناً من الأذي النفسي والبدني تصل إلي حد التسبب في عاهات مستديمة جسدياً وشعورياً,إلي العلاقة الحميمة بين الرجل وزوجته,حيث يتوهم الرجل أنه كلما أغلظ في العنف الجسدي زادت سيطرته وقوة تحكمه في المرأة,ولن أقول الشريكة لأنها بذلك تسقط عنها تلك الصفة,سلسلة القهر تلك ولدت تلك النظرة في عين فامرأة الفعل الفاضح,التي جعلتني شخصياً في غاية الخجل أمامها"كيف تنظر في عيني امرأة.أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها"؟بالأحري كيف تنظر في عيني امرأة أنت تعرف أنك تشارك ولو بالفرجة في عذابها؟

حرة في قيد:

نظرة أخري علي وجه فتاة متهمة في قضية آداب,يحكي الفنان في حوار له-وليته يكثر من حواراته فهو رجل شغوف بالتفكير والثقافة-عن رؤيته منظر مماثل وهو في أحد أقسام الشرطة,فتاة ملفوفة بملاءة غير عابئة بصدرها المطل علي العالم تنظر أمامها في الفراغ,وبلغة الإشارة تشكل يديها علي إشارة الحرية,رغم القيد علي معصمها,كأنها تخاطب نفسها أو شخص يظهر في خيالها,وبجوارها قطة تنظر في فزع للموقف الذي تعايشه الفتاة,نظرة تتساءل:ما الجرم الشنيع الذي ارتكبته تلك التعسة لينكل بها إلي هذا الحد؟كم روحاً أزهقت؟كم جيب سرقت؟كم أسرة أفزعت أمنها؟كم مدينة أرهبتها؟إن من يقومون بتلك الأفعال ربما لا يتم التشهير بهم وفضحهم علي تلك الصورة فلماذا تعامل هذه المرأة العارية بطريقة تمجها الحيوانات؟

لأنها الأضعف والأسهل منالاً,لكن مهما حدث...هي حرة.

القواد:مفارقة يصورها عبيد في لوحته,المجرم رجل أنيق يرتدي بذلته كاملة ويجلس متغطرساً,والضحية امرأة ترتدي كيفما اتفق,عينا القواد ملؤها الثقة والجرأة ,المرأة التي تعمل لحسابه تخفض عيناها للأرض,ليس خجلاً أو عاراً بقدر ما هي لحظة تفكير للخلاص منه علي الأرجح,فتحتها مكنسة ربما يأتي اليوم الذي تستخدمها فيه لكنس القوادين من عالمها لكن بالتأكيد ليس اليوم,فالقيد هنا غير ظاهر في الصورة علي عكس الفتاة في لوحة"حرة في قيد"لكننا نشعر به في كل تفاصيل تلك اللوحة,وهذا القيد هو ما يفضح عري المرأة أمامنا علي تلك الصورة المثيرة للشفقة,بينما يستر القواد ويكسيه حلة الأناقة.

الزناة:

ليست لوحة إيروتيكية تصور مشهداً حسياً,ولا لحظة ندم بعد علاقة محرمة,بل هي لحظة استهلال للعلاقة الزوجية,واحدة من آلاف الزيجات المنتشرة في مجتمعنا,غير قائمة علي الحب بكل ما يحتويه هذين الحرفين من معان,بل قائمة علي المنفعة سواء مادية أو اجتماعية أو لتلبية نداء الجنس,وما هو تعريف الزنا غير ذلك؟حتي لو كانت بعقد رسمي.

الرجل ينظر لزوجته بينما الزوجة غارقة في الاستسلام اليائس,حيث جسدها أمامه يتملكه كيفما يشاء أما روحها في عالم آخر لا يعرف الزنا,بل يقوم علي المودة الزوجية والاحترام المتبادل بين الزوجين.

بنات الليل المساكين:

زارت أحد الموديلات وليد عبيد في مرسمه,وأثناء حديثه معها أخبرته أنها انغمست في حياة الليل,فبعدما تقلدت إحدي الوظائف تعرضت للانتهاك المستمر كضريبة للاستمرار,فلم تجد فرقاً كبيراً بين تلك الوظيفة والعمل كفتاة ليل,يصورها عبيد مفترشة إحدي الوسائد علي الأرض ناظرة للمال نظرة استفهامية ممزوجة بالاشمئزاز والتعفف,تتساءل عما إذا في إمكان تلك الأوراق التي تلمسها بين بيديها أن تعوضها عما فقدته من سنوات وأحاسيس وآلام في صراعها مع الحياة:

إيزيس تتأهب:

الموديل في تلك اللوحة الفنانة التشكيلية والكاتبة ياسمين الخطيب,تجلس في ثبات علي أول سلمة لبيت قديم تتصدر الكادر كله كحامية للمدخل,التجسيد المعاصر لإيزيس بكل ما تمثله إيزيس من إيحاءات في التفكير المصري,فهي الأم والمحاربة والشافية والزوجة الوفية والمرأة التي وقفت أمام قوة الشر التي يجسدها ست وهي التي أعادت الحياة لزوجها أوزوريس وهي التي ساندت ابنها حتي النهاية لينال حقه في عرش أبيه.

ياسمين تظهر جالسة في وضع تأهب حقيقي غير مفتعل لفعل عارم,تعبر عنها نظرتها المتوثبة وتعبير وجهها المحمل بشعور بركاني علي وشك الانفجار,ممسكة بخصلات شعرها,فأنوثتها هي سلاحها الحقيقي للدفاع عن البيت,وعلي الأرض قطة انتقلت لها عدوي الجسارة فتلوي عنقها بنظرة شبيهة بنظرة صاحبتها حامية البيت ممن يتربصون به وينتوون به الشر.

الموديل في هذه اللوحة شخصية عامة يعرفها المهتمون بالشأن العام,أصاب عبيد في اختيار ياسمين الخطيب لتكون هي المعبرة عن لوحة تحمل ذلك المعني,المرأة المعاصرة التي تتشرف بتمثيل إيزيس المتأهبة للدفاع عن بيتها وخوض معاركها الشخصية والعامة,هي نموذج المرأة التي تقدمه ياسيمين وأمثالها من اللواتي لا يستخفين خجلاً أو قهراً,ولا يتراجعن خوفاً أو إجباراً,ممن يحتملن الخوض في الشأن العام واحتمال كل ما يلقي عليهن من حجارة,إنهن القادرات علي المقاومة والقيام بالأعمال المهيبة,في صورتهن العادية كجلستها بثوب منزلي علي سلم بيت قديم,لكنها إذا قامت بعد تأهبها تصير أخطر من"الرجال المنفوخين في السترة والبنطلون".

ثلاثي:

"الأنثي هي الأصل"عنوان أحد كتب نوال السعداوي ويصلح في رأيي-الذي لا قيمة له-أن يكون عنواناً لتلك اللوحة التي تصور امرأة تهب ثدييها لطفل ورجل في نفس الوقت,فهي الرواء والمنبع والمصب,هي التي يدور حولها حياة الرجل وتفكيره طوال عمره وإن ادعي الإنكار,تلك المرأة لها نظرة وتعابير القديسات,لكنها قديسة من نوع مختلف,قديسة دينها العطاء والعطف والحب غير المشروط,اللمسة المتبادلة مع الرجل تكشف ذلك,تلمسه بمحبة وعطف,ولمسته للاعتماد عليها رغبة في الشبع.

في الختام هذه عينة من أعمال وليد عبيد سجلت انطباعاتي عنها كمجرد معجب بفنان مصري حقيقي,أمثال هؤلاء هم من يجب تسليط الأضواء عليهم والاحتفاء بهم,وليس المزيفين الصاخبين في كل الميادين من حولنا,لست ناقداً تشكيلياً ولا خبرة لي في دهاليز هذا العالم,دافعي للكتابة أني وجدت نفسي أمام مشروع فني يستحق الإشادة والتكريم,وأتمني أن يقدم الشخص القادر علي النقد رؤاه حول أعمال وليد عبيد بصورة يتفهمها عموم القراء,فالشخص القادر علي الإبداع وسط كل تلك الفوضي لابد أن يجد لأعماله صدي,وأن يدعمها المهتمون لأني أخشي أن الفنون في مصر في طريقها للانقراض!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق