فتاة وكتاب
في الغالب تكون (الأشياء) واقعة تحت أعين الجميع,يرونها بوضوح,البعض يتغاضي
عنها ,والآخرون يتأسفون في سرّههم؛خائفين من مجرد الهمس,وبعضهم علي الرغم من سوء
تلك الأشياء وحقارتها وقذارتها؛ينافق المسئول عنها(السلطة),ويبدأ في مدح الشرور
الفظيعة حتي يبدأ في تصديق نفسه ويتوّحش أمام كل من يعترض.في مصر تلك النماذج التي
ربما يُتعاطف معها؛قسوة الحياة في مصر لا يحتملها سوي من يقوم بتلك الأفعال
للأسف....هؤلاء الناس ليسوا موضوعنا.موضوعنا هؤلاء الأبطال الذين قالوا لا في وجه
من قالوا نعم.
تحدثت عن (الأشياء)والأشياء كثيرة لا تحصي,و أشياءنا في الحالة المصرية,كل
ما هو معروف ونتعايش معه بمنتهي العادية,وربما يسبب للبعض البهجة,(الأشياء)تبدأ من
الاستبداد السياسي الذي هو أصل الفساد,ولا تنتهي بعدم توافر دورات مياه عمومية
آدمية.
لكن(شيئنا) الذين أوّد الحديث عنه:فتاة وكتاب-هل يوجد في العالم أجمل من
ذلك؟!-الفتاة طبيبة شابة,كاتبة صحفية,أديبة,باحثة,فنانة تشكيلية....
لكنها تحب اسمها وتعتز به,وتفضله علي ما عداه,حينما أراد مقدم أحد البرامج
أن تختار لنفسها لقباً؛ليناديها به,أجابت ببساطة:بسمة بس.
وهكذا يكون النموذج الرابع الذي لم نتحدث عنه,هؤلاء الذين صدّعوا بقول
الحقيقة,تحت أي ظروف ودون انتظارثناء,وربما بلا إمكانيات تؤهلهم للوقوف هؤلاء أمام
آلة السلطة الجرارة,الساحقة لكل من لا يتنحي عنها,لكن هذا النموذج العظيم الذي
يملأ مصر,وقف وتحمل ولم يساوم أو يهادن؛مجرد هدنة لتسيير المصالح,بل ظل شامخاً ينضم
له فرد وراء الآخر.من الممكن القول أن هذا النموذج هو الأساس الحقيقي لثورة يناير
المستمرة....من بين هؤلاء نري بسمة عبد العزيز بجسدها النحيف وقد استخدمت ترسها
لصدّ زحف الآلة الجبارة وبهذا الترس الذي اختارته علي صورة قلم,بدأت تكتب بحثاً
شجاعاً ربما كان الأشجع في الفترة التي سبقت يناير 2011.
الفتاة:بسمة عبد العزيز
الكتاب: إغراء السلطة المطلقة
في الأيام الشهور التي سبقت ثورة يناير,كانت تعمل الفتاة علي الكتاب,تتحدث
فيه عن علاقة الشرطة بالمواطن,وصورة الشرطة الذهنية,تستدعي هذا الرجل المرعب
الملقب ب"الباشا",والمواطن هذا البائس الي يخاف من ظل الباشا ويرتعد إذا
رآه أمامه!
وهذا المبحث للدراسة صعب بل ربما يكون مستحيلاً؛فالحالة المصرية في علاقة
الشرطة بالمواطن حالة خاصة جداً واستثنائية جداً جداً؛فلن تصل لشئ في الغالب؛لأنه
منطق الفتوات والحرافيش,منطق عبثي تحكمه القوة والسلاح,وتتردد فيه أصداء الصرخات
المستغيثة,والآهات المتألمة,تختلط بها مؤثرات صوتية أخري صادرة من الطرف
القوي؛تتفوق السلخانات المصرية بها علي استوديوهات هوليوود.....
والاقتراب من تلك الأمور لا يقوي عليها رجال أشداء,لكن المرأة المصرية
استثناء,فهي الحاملة ببذور حضارة هذا البلد وهي التي تعلم رجاله كيف تكون الشجاعة
وقت الخوف,وكيف تكون الصرخة في وجه المستبد؛لذلك فبسمة عبد العزيز انساقت فقط لصوت
الوطن بداخلها,واستسلمت لجيناتها المتوارثة من أمهاتها الذين شكّلوا وجه هذا
البلد.
قررت إذن أن تواجه بجسدها الأعزل(الباشا) وهي عالمة بكل ما قد يُستخدم ضدها
من أساليب حقيرة أنتجتها نفسيات مريضة بأمراض مستعصية؛أقلها السادية.
للأسف, لست
في حالة هادئة وصبورة لأبحث في الكتاب عن مقاطع منها ما هو في غاية الحدة وذروّة
المواجهة,ومنها ما يتنبأ بما حدث في يناير؛فمن حُكِم عليه بقضاء مدة عقوبة ظالمة
بدون ذنب جناه؛فيظل يتنقل من مدارس مصر لجامعاتها؛بمرور الزمن يفقد القدرة
تدريجياً علي أي فعل؛ما عدا ممارسته الدائمة لفعل الغباء والبلاهة والاستهتار,وأي
فعل ينّم عن تدمير
عقلي ممنهج يُمارسه(باشاوات) من نفس النوع لكن بطريقة
أخري!
لكن يمكنني القول أن الكتاب يحمل نبرة شجاعة
متحدية,فضلاً عن مجهود بحثي واضح,ويجب قراءته ودراسته لتغيير منهجية الشرطة,وجعلنا
كباقي خلق الله في هذا العالم.
كما تجد النبوءة فيه واضحة....في الواقع ليست نبوءة,هل
من يري النار تزحف ويقول سيحترق المكان متنبئاً!!لكن في مصر, أشياء كثيرة تحتاج
لرجال شجعان,وفتيات شجاعات,لأننا بلد تعيس؛كما صاح(أندريا)تلميذ العالم (جاليليلو)
في مسرحية(حياة جاليليو للكاتب المسرحي العظيم(بريخت):
تعيس هذا البلد الخالي من الأبطال""
لكن جاليليو بحكمة العالم الخبير يقرر قائلاً:
"كلا.البلد التعيس هو الذي يحتاج لأبطال"
وبمفهوم بريخت علي لسان جاليليو نحن للأسف بلد تعيس
بائس,يبحث عن بطل في زمن الجبناء....لكن هذا موضوع آخر....
كل مكان في مصر الآن يحتاج بطله,لكنه حالياً يلقي مصير جاليليو...وربما مصير سليمان الحلبي!
فتاة مصرية واحدة؛ بها كل هذه المواهب الشجاعة في أمر
واحد تؤديه,فهنيئاً لمصر بناتها,اللواتي تجندهن كبطلات في معركة الحرية المستعرة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق