الاثنين، 29 أكتوبر 2012

بطل الاستقلال في عمل أدبي



بطل الاستقلال في عمل أدبي


من أقوي الروابط التي تصل بين عصرنا الحالي والحضارة الفرعونية الآثار الباقية والأدب,وقد نبالغ بعض الشئ ونقول بل الوحيدة,لولا الآثار علي أرض مصر لم نكن لنتخيل أن علي نفس الأرض التي يتسول أبنائها كل شئ من الغرب,وبدون طعامهم وعلاجهم ما كانت لهم حياة,وجدت حضارة عظيمة علمت العالم كيف تكون الحضارة,ثم تمر الأيام ويعود ذلك العالم ليقول لنا نحن أبناء الفراعنة-هل نحن حقاً أبناءهم؟!!-أن في هذه البلاد من آلاف السنين كان لكم أجداد خالدين سبقوا المستقبل بآلاف السنين!فنندهش نحن ثم نتفاخر أن العالم المتحضر يعترف بنا,ويقول أن أجدادنا عظاماً,ونتبجح حين نتفاخر بدون علم..كيف يتفاخر المرء بدون أن يعلم ما يتفاخر به؟ كل المعارف التي وصلتنا عن الحضارة الفرعونية نقلتها لنا أوروبا!مع الاعتراف بالأهمية الشديدة لسليم حسن و العرفان لأحمد فخري,إلا أن علم (المصريات)علم أجنبي,علماؤه أجانب,نشأته ليست مصرية,المصري فقط كان عاملاً يحمل التراب ويحفر في الأرض ليقبض راتبه ويعيش!وقد يدعوا أحدهم ب"الريس" وللأسف في الغالب يكون هذا هو منتهي دوره في التاريخ الفرعوني.إذا لم تكن تتقن لغة أوروبية فستحرم من معرفة الكثير عن أجدادك العظام؛لأن الحفدة-إخوتك-لا يعرفونهم من الاساس لولا علماء الآثار الأجانب ما كنا عرفنا أحمس ولم يكن عبد الحميد جودة السحار كتب"أحمس بطل الاستقلال"..للآن نتبجح قائلين نحن أصل الحضارة وتلك كذبة شنعاء,(هم)أصل الحضارة..هم الفراعنة,(نحن)حين جاء ريتشارد جير النجم السينمائي الشهير,سألناه عن قلة الأعمال السنيمائية التي تتناول التاريخ الفرعوني!!!!فأجاب-بقسوة لابد أنها كانت قاسية علي السامعين حتي ولو لم يقصد-:ولماذا لا تصنعوا أنتم أفلاماً عن الفراعنة...حادثة قد تبدو حادثة عابرة ولا تستوقف أحداً,لكنها كاشفة لأشياء كثيرة عن علاقتنا بالفراعنة وعلاقة الفراعنة بنا وعلاقتنا بالعالم!

يبقي الأدب....

تناول السحار وفي روايته كفاح الشعب المصري والملك أحمس أول فرعون لمصر من أصل غير ملكي,وأول مُحرر عرفته مصر,وقد وضعه مانيتون علي رأس الأسرة الثامنة عشر أو كما يسميهم البعض "بناة الإمبراطورية"..وقد التزم السحار لحد ما بالرواية التاريخية المعروفة التي وصلت إلينا عن طريق اثنين من قواده نقشوا الاحداث علي جدران مقابرهم وللمصادفة كانا يحملان نفس الأسم الذي يحمله ملكهم"أحمس بن أبانا"وأحمس بن بنخب"وقد ذكرهما السحار,لكن بصورة تتناسب مع عمله الفني.أما الذي غيره تماماُ صلة القرابة بين أحمس وكامس,فجعل كامس أبو أحمس وهو أخوه في الحقيقة!وبسبب تلك اللخبطة الغير مبررة لم يذكر اسم إياح حتب زوجة سقنن رع أبو أحمس,تلك التي نغني لها في رمضان:وحوي يا وحوي إياحة وقد فسرها البعض:بأهلاً أهلاً قمر الزمان.الأنشودة التي غناها المصريون تقديراً لدورها العظيم في تاريخ مصر,تفقد زوجها وتضحي بابنها الأكبر وتُعدّ الثاني للحرب,وتقوم علي شئون الدولة أثناء غيابه في حروبه...

إذن,فقد عبث السحار بالسلالة المالكة! ليس ذلك فحسب بل جعل من أميرة حبشية زوجة لأحمس,وأحمس قد تزوج من أحمس نفرتاري أم إمنحوتب ولي عهده.

لماذا كل هذا العبث؟ولماذا كل هذا التركيز علي العلاقة العاطفية بين أحمس بن بنخب أو ابن بنب كما يسميه والأميرة شسن ابنة سقنن رع-  قد يكون لا أصل تاريخي لها-ويغفل كفاح الأسرة العظيمة التي بدأها الوالد وسار فيها الإبن الأكبر وأنهاها الصغير,بل ربما يتواري أحمس نفسه في الرواية لحساب تلك العلاقة العاطفية الجميلة,وهذا يطرح سؤال قديم متجدد لأي مدي ممكن أن يغير الفنان الحقيقة التاريخية؟...بطريقة السحار قد يكتب تاريخاً جديداً! هل قلت في البداية التزم السحار لحدً ما بالرواية التاريخية؟!....حسناً لم يلتزم السحار بالرواية التاريخية!

كعمل أدبي أول لعبد الحميد جودة السحار تعتبر رواية أحمس بطل الاستقلال,رواية ممتازة بالقياس للأعمال الأولي لأي كاتب,وقد استهواه التاريخ الفرعوني في بداية حياته كما استهوي صديقه الأديب الأكبر نجيب محفوظ أيضاً.

وتظل الفكرة الوطنية الأبرز في الرواية,التي عبرت عن إحدي عقائد الوطنية المصرية علي مر العصور يتداولها الجميع بمعانٍ عدة,تلك التي صاغها السحار بقوله علي لسان بطل الاستقلال أحمس:"....وإذا اقتضي الأمر تضحية فابذلوها,ولا تضنوا بأرواحكم فلستم مخلدين في الأرض,أما مصر فخالدة إلي أبد الآبدين"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق