الأحد، 7 ديسمبر 2014

الدراما العمرية

الدراما العمرية
أحاول الوقوف بوتري الوحيد شبه المقطوع,خلف المايسترو الموسيقي العظيم طه حسين, بكلمات أنغامها معاني لو فهمناها لكان الحال غير الحال!
ليس لي سوي وتر بسيط لا ينفع السامع ولا يشبع شهوة العزف,لكن لدي رغبة جارفة في في إعماله علي أمل أن يسمح لي الشيخ الجليل الذي يناديه نزار قباني:" ارم نظارتيك ما أنت أعمي
إنما نحن جوقة العميان"أن أقف خلف فرقته وحيداً في ركن مهجور أحاول تحريك وتري بهدي من عصاه.
في زمن سعيد مضي كانت مصر بعافيتها الثقافية ,وإمبراطوريتها المسلحة بالأسلحة الناعمة من كتب وأفلام ومسرحيات وأغان....,....,.....برز مفكران من طراز رفيع,امتازا بالجدية والإخلاص وهما صفتان خرجتا ولم يعودا حتي اليوم!فعلما أجيالاً وخلدا اسميهما في ذاكرة الأمة...طه حسين والعقاد.
الفارق الجوهري بين حسين والعقاد في مناقشتهما للتراث العربي,الأول يعلمك كيف تفكر فيه بعد أن تشك فيه,الثاني يفرض عليك وجهة نظره وقراءته للأحداث,وربما للأسف استند إلي روايات ينكرها العقل والمنطق,بينما طه حسين يضع العقل والمنطق قبل أي رواية أو راو,وليس هذا تقليلاً من شأن العقاد,لكن كان لكل منهما طريقته في قراءة التراث الذي اتفقا علي إعادة قراءته قراءة علمية استفادت من روافد ثقافية شتي,عكس قراءة الأصوليين الدوجماطيقية ضيقة الأفق.
سنمشي خلف طه حسين بمنهجه,نتقبل الروايات حيناً ونشك فيها أحيانا,حتي نصل لليلة اغتياله بيد أبو لؤلؤة المجوسي,ومن ليلة إسلامه حتي ليلة وفاته,تتناحر المصادر السنية والشيعية,فللسنة عمر وللشيعة عمر آخر,طبعاً مكانته عند أهل السنة معروفة لأهل السنة ومكانته عند غلاة الشيعة معروفة,ويكفي أن يعرف السنة أنهم يكرمون قاتل عمر بمقام شبه مقدس عندهم يخلعون داخله الأحذية ويتبركون به ويدعون صاحبه"بابا شجاع الدين"
المأساة الإسلامية الكبري المعروفة تبسيطاً "بالفتنة"وهي فوق كل فتنة,يحلو لمؤرخو الشيعة طبقاً لرؤيتهم للتاريخ إرجاعها ليوم وفاة النبي...يوم سقيفة بني ساعدة.
أحد أبطال هذا اليوم "سعد بن عبادة"رفض مبايعة أبي بكر وبعد وفاته رفض مبايعة عمر,فقد مني نفسه هذا اليوم أن يكون هو خليفة الرسول وكاد منها أن يتحقق حتي أطاح به دخول أبو بكر وعمر للسقيفة.
الرواية التي وصلتنا من خلالها حادثة قتله,تعيد للأذهان رسالة الغفران للمعري,وسخريته الخفية من كل التراث القديم علي لسان ابن القارح,ولأن المعري أدرك جيداً خطورة تلك السخرية والنقد فقد أبقاهما في الظل ولم يجعلهما عماد الرسالة ولو فعل لوفر علينا قرون طويلة حتي هل علينا الشكاك طه حسين,فبعد عدائه المعروف مع عمر حتي أنه طلب منه أن يغادر المدينة,نجد رواة التاريخ ينسبون قتله للجن,وقد عرفوا بطريقة أو أخري أن هذا الجن شاعر ورووا علي لسانه أبيات:
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
أما تلك العقوبة القصوي المتمثلة في قتله رمياً بالسهام علي يد هذا الجن الجاني؛فلأنه تبول علي جحر اتخذه الجن مقراً له!!!!!!
ومن تلك العقلية خرجت لنا نصوص شديدة السخف,مازالت حتي اليوم تثير في الحياة الإسلامية الخراب والعنف والتدمير,فضلاً عن صناعة عقلية عجيبة لا مثيل لها بين سكان العالم المتحضر في عصر الإنترنت والنانو.
لن نفهم خلافات العرب التي وصلت لذروتها في المأساة بين الشهيدين علي الهاشمي وابنه الحسين ومعاوية الأموي وابنه يزيد الفاجر,إلا إذا تتبعنا التناحر القبلي والتفاخر الأسري والصراع علي السلطة في مكة حتي أن جد النبي استخدم الدين قبل في بعض شئونه للوصول للسيادة في مكة,وسماه دين"الحنيفية" المنسوب للنبي إبراهيم,تلك الخلافات كانت هي السبب الرئيسي في وقوفهم في وجه دعوة النبي لمعرفتهم بتاريخ النزاع,وإدراكهم أن انتصار النبي في دعوته يعني حصول الهاشميون علي السيادة في مكة بل وعلي كل القبائل العربية,وهو ما أكده ابن خلدون بعد ذلك حين قرر أن العرب لن يتخضع لملك واحد إلا إذا جائهم بدين من السماء""إن العرب لا يحصل لهم الملك إلاَّ بصبغة دينية من نبوَةٍ أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله يذهب منهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإِظهار الحق تم إجتماعهم وحصل لهم الملك والتغلب",وربما تلك الرواية تكشف عن طبيعة الصراع العربي-العربي في شبه الجزيرة العربية"أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس، حدثنا أحمد، حدثنا يونس، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم عن المغيرة بن شعبة.
قال: إن أول يوم عرفت رسول الله أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله فقال رسول الله لأبي جهل: «يا أبا الحكم، هلمَّ إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله».
فقال أبو جهل: يا محمد، هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت؟ فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك.
فانصرف رسول الله .
وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن يمنعني شيء إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة.
فقلنا: نعم.
ثم قالوا: فينا السقاية.
فقلنا: نعم.
ثم قالوا: فينا الندوة.
فقلنا: نعم.
ثم قالوا: فينا اللواء.
فقلنا: نعم.
ثم أطعموا وأطعمنا.
حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي، والله لا أفعل".
...بل أن الجن نفسه في ذهنية أهل شبه الجزيرة العربية حتي بعد ظهور الإسلام فيها بدعوته الثورية العظيمة الداعية للمساواة بين كل الناس وما إلي ذلك من تلك الشعارات المثالية العظيمة التي يسعي لها البشر طوال تاريخهم,مازال عنصرياً فسعد بن عبادة قبل كونه بشراً ليس منهم,قبل كونه أي شئ آخر في الدنيا هو "سيد الخزرج"!!
لذلك حين يخرج من هذا المكان العنصري البغيض بعد سنوات قليلة رجل عادل عظيم,من تلامذة النبي وأحد أهم رجاله"عمر بن الخطاب"تبدأ الدراما.
نقول "رواية كذ",و"هذا الراوي",لا نقصد بها حين الحديث في التراث العربي الفن الروائي الملهم,بل نشير إلي ما يعتبره الكثيرون حقيقة,بل وحقيقة مقدسة التشكيك فيها مصيبة؛لذلك يحلو لي قراءة تلك "الروايات" بعين درامية.
الدراما المعادل الفني للحياة بكل ما فيها,لكنه مصطلح يقتصر استخدامه عادة في الحديث عن الأدب والمسرح والسينما...وللنقاد في تفسير دلالاته ومكملاته مذاهب تفرعت منذ أن كتب أرسطو "فن الشعر"وستظل تتفرع طالما الحياة تتجدد وتخلق أناساً جدد,يظهر منهم كاتبو الدراما بتوجهاتهم المختلفة وفهمهم الخاص لطبيعة الحياة والدراما,والرواة في التراث العربي,أمتعونا الحقيقة بالكثير والكثير من الدراما المصبوغة بصبغة فنية تظهر فيها الصنعة الأدبية بقوة,فلم تكن الدراما غائبة عن الوعي العربي,نجدها في الشعر الجاهلي ونجدها في قصص هؤلاء الشعراء أنفسهم كامرئ القيس براوياته المتعددة-حتي أن بعضهم ينكر وجوده فنكون أمام سيرة خيالية صرفة- الذي يتلاقي مع هاملت الشكسبيري في محنته,وإن كانت تيمة الإنتقام الدرامية-الدراما نفسها- تعود كما يعود تاريخ الإنسان كله لأرض النيل,فبعد أن قتل ست الشرير أوزير الطيب انتفض حور للانتقام لقتل أبيه,وكل ما بعد ذلك مجرد تنويعات علي نفس النغمة من هاملت المعذب الخالد إلي الأسد سيمبا,وسيرة الزير سالم شاهدة أخري علي الصنعة.فكان العرب بعد ظهور الإسلام يجيدون حبك الدراما وروايتها شعراً ونثراً.
يظهر عمر في قصة إسلامه ظهور تراجيدي,لبطل اختاره الله نفسه بعد دعوة النبي"اللهم أعز الاسلام بأحب الرجلين إليك,الحكم بن هشام,أو عمر بن الخطاب"تختلف الألفاظ حسب السند لكن المعني الدرامي واحد,إسلام عمر حدث بأمر من الأقدار,في رواية إسلامه نفس مسرحي واضح,فهو يبدأ من الذروة حين خرج ليقتل النبي بسيفه,فهو خارج لينتقم من محمد ويخلص قريش منه بعد أن زلزلها بدعوته,قد أجهد الباحثون أنفسهم في تاريخ الأدب,فلم يجدوا إلا ستة وثلاثين نمطاً درامياً يمكن استخلاصه من كل ماكتبه الإنسان,منها نمط الانتقام,من فروعه الانتقام لمحاولة الإضرار والإفساد,وهذا هو ما كان يعتقده عمر بحسب الرواية السنية الشهيرة حتي لقي في طريقه شاهراً سيفه رجلاً من بني زهرة دار فسأله عن وجهته وهو علي هذه الحال فدار بينهما الحوار الآتي:
عمر:"أريد أن أقتل محمداً"
الرجل:"وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة إن قتلت محمداً"
وهنا يلتقط عمر بذكاء خيط جديد من حديث الرجل:
عمر:"لعلك صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه"
يلقي الرجل الكرة في ملعب عمر ,فيحول وجهته عن النبي وعنه,فيتغير المشهد فجأة إلي بيت أخت عمر:
"فهل أدلك علي العجب يا عمر؟إن خنتك وأختك قد صبوا وتركا دين آبائهما."
يذهب عمر لبيت أخته وهو في قمة الغضب حتي أنه يصفعها فيسيل دمهما,وهو العربي الشهم الذي يدرك جيداً حرمة النساء,لكن الدراما اقتضت تلك الحركة الانفعالية لتمهد لندمه وطلبه ما كانا يقرآنه هي وزوجها,هنا يقرأ سورة طه وحسب الراوية يدخل الإسلام قلبه,والسؤال هنا,هل خانت الدراما(الحياة)المنطق فتحول 180درجة عن موقفه؟أم إن عمر كان ممهد في الأساس لدخول الإسلام؟
يجزم البعض أن عمر كان يهودياً قبل دخوله الإسلام,ولغلاة الشيعة في هذا الأمر سخف كثير يثير الغثيان حول عامود من أعمدة الدين الإسلامي,فقد قامت قاعدة الدين كما أري علي ثلاثة,النبي محمد صاحب الدعوة وبطلها الأول ثم أبي بكر الذي أنقذ الإسلام في فترة ولايته الحرجة,ولو كان مسيلمة الكذاب أقوي المتنبئين وأصعبهم حرباً علي المسلمين انتصر في معاركه التي راح ضحيتها الكثير من الصحابة حفظة القرآن لكان للتاريخ عناوين أخري,لو كان المرتدون حطموا قبضة أبي بكر القوية عليهم لكان الأمر فشا حتي يعود المسلمون سيرتهم الأولي مستضعفين مهانين,ثم عمر مؤسس الإمبراطورية المجيدة هازم فارس والروم,واضع القوانين والشرائع التي وافقه القرآن فيها,ثم خالف هو القرآن أثناء عام الرمادة رحمة بما يجده الناس,ولاختلاف الظروف الحالية عن زمن التنزيل,وهنا نلمح بوادر علمانية مبكرة علي يديه,بل أنه أسس لمسار فقهي مستنداً علي كونه قاض قبل أن يكون خليفة,ثم عدله البارز الخالد علي مر القرون كنموذج للحاكم العادل علي نفسه وأبنائه قبل أن يعدل بين رعيته...الأكيد أن عمر كان له علاقة بالديانة اليهودية قبل إسلامه وبعده كما ترد الروايات,بل وكان يعرفها جيداً في زمن قلت فيه وسائل المعرفة وعدد من يعرفون القراءة؛لذلك لما وجد كلام حسن في الصحيفة التي قرأ منها,لم ينكره ثم ذهب للنبي يعلن إسلامه لتتحقق إرادة الله وتأخذ الأقدار مسارها نحو النهاية التراجيدية التي رسمتها له يد الله,مع الأخذ في الاعتبار أن عمر كان رجلاً أديباً يحب الشعر وينقدهم بأدواته الفنية,وتلك هي الثقافة الرئيسية في البيئة العربية,فمن الممكن أن نعتبره رجلاً مطلعاً علي الثقافة المحيطة به عارفاً بمذاهبها وتوجهاتها.
نلاحظ أن عائلة عمر لها اهتمام ديني بارز,أخته وزوجها أسلما مع المسلمين الأوائل,وقبل البعثة يترك عمه زيد بن عمر بن نفيل,دين قومه وما هم عليه من ضلال,ويرتحل بحثاً عن الدين الحقيقي الذي يشعر به ويسعي إليه لكنه لا يهتدي إليه,فيظل علي حنيفيته يقول:" اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلم"ثم يسجد للإله الواحد.
تمر الأيام بعمر في خلافة أبي بكر,فيتبادلا الأدوار,نري أبي بكر هو الحازم الشديد الصلب,بينما عمر هو اللين الرقيق الذي يتوسل به الناس إلي أبي بكر!وبعد فترة خلافته القصيرة,يعود عمر هو عمر....
لو كان لعمر لقب آخر غير أميرالمؤمنين لكان اللقب الأجدر به من الوجهة السياسية تبعاً لمكانته الدولية حينها لقب"الإمبراطور",علي يدي ابن الخطاب الذي كان يرعي إبل الخطاب في مكة فيضربه لو أخطأ ويحمله من العمل ما لا يطيق,تهاوت الإمبراطوريات القديمة وبدأ مجد الإسلام العسكري يغزو الدنيا ويملأ أسماع الناس,في حين أن أمير المؤمنين يتأخر عن الصلاة لأنه لا يمتلك غير قميص واحد انتظره حتي يجف!!
لو بحثنا في سيرة عمر لوجدنا في سير آخرين تشابه معه,لكن يبقي عدله و زهده آيتان علي مر الزمان لا مثيل لهما,ولن يتكررا سوي مرة أخري...علي يد حفيده عمر بن عبد العزيز,ابن بائعة اللبن التي رفضت أن تغش اللبن,ليس خوفاً من ابن الخطاب الذي لن يعرف بعملتها, بل خوفاً من خالقها هي وابن الخطاب!
هذا العدل الذي نقف أمامه اليوم نتأمله في شوق ولهفة,في زمن لا يعرف من عدل عمر سوي الاسم ولا من زهد عمر سوي الإدعاء الكاذب,بينما كل ملك ورئيس يتورد وجهه بالبهجة ,ويمتلأ بالضحكات العالية,وشعبه يعاني معاناة تدمي لها قلوب الشياطين أنفسهم,كان عمر قبل عام الرمادة أبيض الوجه فلما جاء علي الناس ما جاء من جفاف وجوع,استحال بياضه سواداً من كثرة شدته علي نفسه,أكل الزيت وكان يؤذيه فما توقف عنه حتي رفع الله بلائه علي الناس,ولو أكل غيره ما كان ليلومه أحد...لكننا اليوم ما كنا نجد عمر الذي نتغني بسيرته كما وصلتنا.
عمر صاحب الضمير الحي,وريث الربة "ماعت "ربة العدالة في مصر القديمة,وما كان أبعد عمر عن أمجاد مصر القديمة,لم يسمع فلاحنا الفصيح وهو يصرخ في الحاكم"إن العدالة خالدة الذكري,فهي تنزل مع من يقيمها إلي القبر,ولكن اسمه لا يمحي من الأرض بل يذكر علي مر السنين بسبب العدل"...ضميره المصنوع من مادة نادرة هو من استمع للفلاح الفصيح فحقق نبوءته كأروع ما يكون التحقيق,مثلما حقق نبوءة الحكيم المصري نفر روهو"قد يفرح أهل زمان الإنسان وقد يعمل ابن الإنسان علي تخليد اسمه أبد الآبدين...إن العدالة ستعود إلي مكانها والظلم ينفي من الأرض...
واأسفاه لم تحمل بطون الأمهات سوي عمر واحد عادل!
تستعيد مصر مرة سيرته شعراًبالقصيدة العمرية لشاعر نيلها حافظ إبراهيم,يظهر فيها مناقب عمر,ويقف كالعقاد موقف المدافع عن أفعال امتلأت بالشبهات في سيرة عمر,بشعره يحامي عن رجل أجلّه وأحبه كما فعل العقاد في عبقرية عمر,لما أخذ يبحث عن مبرر لكل فعل فعله عمر,ونحن لا يهمنا أن يكون عمر ملائكياً منزه عن كل عيب كما تفعل كل ثقافة مع عظمائها,بل حين تكون الشخصية النموذج أقرب للإنسانية تكون أقرب للقلوب,بذلك تتكون دراما التاريخ من سلبيات الشخصية قبل إيجابياتها,مع ذلك نجد معظم من ألفوا في الدراما التاريخية,لا يجدون في شخصياتهم سوي وجه ملائكي طاهر,ينفيهم من دائرتهم الإنسانية ويضعهم في دنيا من الخيال لا تلامس قلوب القراء أو المشاهدين.
عمر الرحيم,عمر الشديد,عمر الباكي,عمر الزاعق,عمر الزاهد,عمر الملك,عمر القاسي,عمر اللين,عمر المخيف,عمر المأمون,عمر المهاب من الرجال,عمر الذي تجترأ عليه النساء في بيئة ذكورية أبوية...ثم عمر الشهيد المقتول....
تنقضي خلافة عمر بمشهد تاريخي في التاريخ,أبدي الاستخدام في الدراما(الطيب والشرير),الخليفة العادل الزاهد,والمولي المجوسي الحاقد عليه.
مولى المغيرة لا جادتك غادية **** من رحمة الله ما جادت غواديها
مزقت منه أديما حشوه همم **** في ذمة الله عاليها و ماضيها
طعنت خاصرة الفاروق منتقما **** من الحنيفة في أعلى مجاليها
فأصبحت دولة الإسلام حائرة **** تشكو الوجيعة لما مات آسيها
مضى و خلـّفها كالطود راسخة **** و زان بالعدل و التقوى مغانيها
تنبو المعاول عنها و هي قائمة **** و الهادمون كثير في نواحيها
حتى إذا ما تولاها مهدمها **** صاح الزوال بها فاندك عاليها
واها على دولة بالأمس قد ملأت **** جوانب الشرق رغدا في أياديها
كم ظللتها و حاطتها بأجنحة **** عن أعين الدهر قد كانت تواريها
من العناية قد ريشت قوادمها **** و من صميم التقى ريشت خوافيها
و الله ما غالها قدما و كاد لها **** و اجتـث دوحتها إلا مواليـها
لو أنها في صميم العرب ما بقيت **** لما نعاها على الأيام ناعيها
ياليتهم سمعوا ما قاله عمـر **** و الروح قد بلغت منه تراقيـها
لا تكثروا من مواليكم فإن لهم **** مطامع بَسَمَاتُ الضعف تخفيها
هكذا يروي حافظ مقتل عمر....
تجعلنا تلك النهاية الغامضة نعيد فتح ملف اغتيال أمير المؤمنين في عاصمته,في ذروة مجده,يصلي الفجر....
أثناء الحرب العالمية اعتقلت أمريكا كل أمريكي له أصول يابانية,بنفس العقلية الأمنية منع عمر دخول غير المسلمين المدينة,والجيش علي الجبهة الفارسية,لكن أبولؤلؤة دخل...هل كانت مؤامرة مدبرة انتهت فجراً بطعنات مميتة جعلت اللبن يخرج من بطنه,هل كانت جريمة سياسية تستهدف حياة الحاكم؟هل كان انتقام مجموعة من الفرس رأوا حضارتهم تنهار علي أيدي العرب الغزاة فأرادوا شفاء نفوسهم بفعلهم...
الإيرانيون لليوم يمجدون الفارسي الشجاع الذي انتقم من العربي الغازي,ينسجون حوله الأساطير البطولية,يكتبون فيه القصائد جاعلين منه ولي من أولياء الله,فهو في زعم بعضهم مسلم قتل الطاغوت الذي عادي النبي وآل بيته-حاشاه أن يفعل-ولو رجعوا لحقيقة تاريخية موثقة لا جدال عليها بين السنة والشيعة-جمعهم الله تحت رايته-وهي أن الإمام عليه سمي أحد بنيه باسم "عمر" لكبحوا جماح عدائهم الهمجي علي رجل ذا أثر لم يدانيه أثر آخر في الإسلام...
تثيرنا الدراما العمرية لما يموت عمر مطعوناً بخنجر,ويموت رجل الحرب والطعن خالد بن الوليد-وكان بينهما ما بينهما!!!!!-علي فراشه"كما يموت البعير,فلا نامت أعين الجبناء".
أكيد المغيرة بن شعبة كان يعلم حال البلاد في ذلك الوقت,مع ذلك طلب من عمر السماح بإدخال أبي لؤلؤة عاصمة الخلافة وهو حداد من ضمن مهن أخري,أي يمكنه صناعة السلاح كيفما يشاء تحت ستار عمله,وقد كان كلما رأي أبناء الفرس في أسر العبودية يتألم ويقول:"آه لقد أكل العرب كبدي"!!!
يتلاقي مع شخصيتين في مشهد واحد ينبئ عن حدوث كارثة في النهاية,الهرمزان القائد الفارسي المهزوم الذي نجا بحيلة وأسلم تحت تهديد السيف,وجفينة النصراني,ولما يراهم أحد الشهود علي الجريمة بعد ذلك يضطربون ويقع أثناء اضطرابهم خنجراً,سيؤكد الشاهد أنه نفسه الخنجر المقتول به عمر!!
هنا رواية بوليسية محبوكة,المؤامرة في الليل,بين ثلاثة يجمعهم هم واحد,متواجدين في وسط غريب عنهم يعاديهم,ويضمرون له الشر,يقع منهم خطأ أثناء التخطيط سيؤخذ عليهم فيما بعد,وسيفعل عبد الله بن عمر فيهم ما سيفعل بعد ذلك بناء علي قول الشاهد,لكن هذه حادثة أخري تحتاج تحقيق آخر!!!!!!!!!!
الشاهد هو عبد الرحمن بن أبي بكر,وهو في الدراما يقوم بدور الرجل سليم النية,الذي لم يتصور أن يقوم هؤلاء وهم من هم بفعل شئ بهذا الخنجر الذي رآه يسقط لما رأوه يرقبهم وهم يتناجون فيما بينهم!!!
وقبل ذلك بأيام يقول عمر عن القاتل:"لقد توعدني العبد",حين قال له عابثاً في لهجة خشنة "لأصنعن لك رحي يتحدث بها الناس"ولو كانت تلك الروايات صادقة فالمدينة في حينها كانت تعاني مشاكل جمة في الأمن!!!!!
يوم الأربعاء 26ذي الحجة عام 23هجرية,يغافل المجرم المسلمين,ويطعن عمر وهو قائم يصلي في المحراب,ويقتل معه سبعة من المسلمين,ثم ينتحر لما أدرك أنه مقبوض عليه لا محالة...وبتلك الجريمة تكتب يد رجل جاء من بعيد لبلاد غير بلاده,استنهضه حسه الوطني,وعز عليه يري أبناء بلاده من كانوا ملوكاً وأبناء ملوك عبيد في جزيرة العرب,(بطريقة أو بأخري!!!)أتاحت له الظروف أن يشفي غليله من عمر الذي هزم بني قومه وأخذهم أسري...خطط ونفذ وأصبح اسم المجرم يقترن باسم الضحية وكلهم ميعادهم ليوم فصل,يوم يحلم فيه الإنسان منذ ظهوره أن تتحقق فيه العدالة المفقودة,العدالة عاش عمر لها,فعاشت بعده تحكي عنه علي مر الزمان لأنه كما قال جدي الفلاح الفصيح من آلاف السنين: "إن العدالة خالدة الذكري,فهي تنزل مع من يقيمها إلي القبر,ولكن اسمه لا يمحي من الأرض بل يذكر علي مر السنين بسبب العدل"






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق