الأربعاء، 2 يونيو 2021

ابن سينا بين الـflashback والـflashforward

بين الفلاش باك والفلاش فورود بلغة السينما قسم يوسف زيدان حياة الشيخ الرئيس إلي قسمين:أولهما زمن الصبا الأول والنبوغ المبكر المترع بالأماني والأحلام كعادة الشباب،يعقبه بداية الاضطراب وصب المرار في جوف العبقرية الإنسانية الكبيرة،التي عانت من تقلبات السياسة والنزاعات والأطماع،والثاني الستة عشر عاما الأخيرة في حياة ابن سينا والتي قضاها وحيدا،مستسلما للموت لما جاؤه.


بين المرحلتين اعتقل يوسف زيدان الوقت المضارع الروائي في قلعة فردقان التي اعتقل فيها ابن سينا،وقد اعتقل معها ابن سينا نفسه ليحرر سيرته ويدونها بين زمنين،بلغة آسرة اشتقها من مرمر اللغة وزاد عليها من موهبته الأدبية الزاهرة،يعجبني أجمل مافيها وهو اختيار الموضوعات والشخصيات التي يتخذها مادة لروايته،ولو توفر زيدان علي تدوين التاريخ بصورة روائية لخلف مشروعا ضخما أعتقد أن في زمننا الحالي لا يوجد من يقوم به أفضل منه،فقد عاصر التاريخ بروحه وسكبه في رواياته.

ركز زيدان علي الثلاث محاور الأساسية في حياة ابن سينا،:العلم والنساء والسلطة،لقد أحب ابن سينا الثلاثة وشغف بهم جميعا ولأنه فريد جاء عشقه لهم فريدا وخاصة العلم والنساء،وتلك المحاور الثلاثة تمثل موضوعا دراميا خصبا استغله يوسف زيدان بدراية وبحث في نفسية ابن سينا،لقد شق عن صدره في لحظات عشقه وخيباه ونجاحه وقرأنا سيرة ابن سينا كما رواها يوسف زيدان،فابن سينا شخصية استغلها العالم كله فقدمها جيلبرت سينويه في رواية الطريق إلي أصفهان وقدمتها السينما الأمريكية بصورة مشوهة جعلتها تتلمذ علي يد طبيب أوروبي شاب!!!!!في فيلم the physician وظهرت في فيلم سوفييتي في الخمسينيات بعنوان ابن سينا أو كما يعرفه العالم avicenna،لكن طول الصحبة الروحية يظهر في سرد ورؤية زيدان لاعتقال الشيخ الرئيس في فردقان،فما هو المكان الأنسب ليتذكر فيه الإنسان ماضيه سوي السجن،أما المستقبل فقد تكفل الراوي الرائي بإخباره لنا وقد حشد لنا الأسماء والأماكن والأحداث بطريقة تعليمية وليس في ذلك ما يجانب الروح الفنية فقد دمجهما معا وحتي وإن أخذ عليه البعض الجزء التعليمي،فذلك دور المثقف في مجتمع انقرض فيه المتعلمون،واستفحل فيه وباء الجهل والادعاء.

طاف يوسف زيدان بابن سينا وهو معتقل بالقلعة الإيرانية،فاستعاده حيا وحرره فنيا من سجنه فإذا كان العنوان الفرعي للرواية”اعتقال الشيخ الرئيس”فخاتمتها الحرية لابن سينا،لعلنا نطوف يوما بعبقريته وسعة علمه بدلا من التشاحن والتساؤل عن مذهبه والتدخل في العالم السماوي والحكمة الإلهية وتقرير بعض البشر عن مصيره بين يدي الله….ولا حول ولا قوة إلا بالله!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق