الخميس، 23 فبراير 2017

سقوط بلا دوي!


سقوط بلا دوي!

ماريون كوتيار في فيلم "المهاجرة" لجيمس جراي,صاغت آيات العذاب الإنساني في أدائها,ولونت ملامحها بصبغة بؤس المنسيون الساقطون في عالم لا يرحم, الذين يعيشون دون أن تسمع الإنسانية صوت صرخاتهم تئن فتوقظ الضمائر.
بعد الحرب العالمية الأولي,تهاجر إيفا وماجدة أختان من بولندا لأمريكا سعياً وراء السعادة والاستقرار, بعد أن قطعت رأس والديهما في الحرب,يحلمان في المشهد الأول بالحب والأسرة والأولاد,لكن العالم القاسي كعادته يقف ضدهما,واحدة تؤخذ رهن الحجر الصحي لإصابتها بالسل والأخري,يلتقطها قواد لتعمل كعاهرة لجمع المال اللازم لإخراج أختها بعد أن رفضتها عائلتها ومنعتها القوانين من الإقامة بسبب حادث اعتداء جنسي تعرضت له ووصمها بالانحطاط في سفينة المهاجرين القذرة التي كانوا يجلسون فيها كالحيوانات,من خلال هذه القصة تتفجر ينابيع الألم ويتلقاها المشاهد من خلال ماريون كوتيار في دور إيفا الأخت التي يحبها ويبتزها في آن واحد برونو"خواكين فينيكس"!
ومع أن جسدها أصبح ملكية للرجال يشترونه بالمال إلا أن روحها ظلت نقية متألقة,تنبعث منها قوة الإيمان الديني,إيمان ساذج برئ صادق,في إحدي المشاهد نراها في الكنيسة تعترف بخطايها,وتسرد حكايتها,وهي في غاية التأثر خائفة أن تحرم من نعيم الجنة بسبب خطايها ويكون مصيرها الجحيم,كانت إيفا أشبه بطفلة نادمة باكية علي ذنب اقترفته,الأولي أن نتساءل نحن عن نصيبنا من الرضا الإلهي الذي يؤمن به الكثير من البشر أو الالتزام الأخلاقي أو أيا كان مع اختلاف مسميات الناس,والناس في العادة لا يتفقون!وفي عالمنا تحدث كل هذه الفواجع المنهكة لحياة الأبرياء التي تدفعهم نحو طريق الهلاك النفسي وتحرمهم من الطمأنينة,الأولي أن يتساءل السفلة مشعلو الحروب ومحطمو الدول لأجل مصالحهم,الأولي أن يخاف القتلة المجرمون والظلمة الجلادون من عذاب الجحيم,الأولي أن يرتعد من يفسدون في حياة الناس حتي يلقون بهم في هاوية الانحطاط التي لا نهاية لعمقها السوداوي.
أما أنتِ يا إيفا فلا يجب عليك يا فتاتي التعيسة البريئة أن تخافي من الله,فالله لا ينظر للناس كما ينظرون هم لبعضهم البعض,جنته التي تؤمنين بها تسع الجميع,وسيكون هناك مكاناً خاصاً للأنقياء الذين يضحون من أجل غيرهم كما فعلت مع أختك,وستلتقين هناك بضحايا الحروب علي مر الأزمان,لكل واحدة منهن قصة,هناك بالتأكيد قصص أفظع من قصتك,ومآس ستبكين عند سماعها من أخواتك في الشقاء.
ماريون كوتيار...تمكنت بحرفية من خلق شخصية إيفا فنياً,بأداء مذهل يضعها كأسطورة وسط أساطير هوليوود البراقة,وهذه الطاقة الفنية الجبارة متوقعة من ممثلة حقيقية مثلها,لعبت أدوارها بإتقان شهد به الجميع...وسببت لنا الألم,وأشارت بأصابع الاتهام لمجتمعات صماء يسقط فيها القتلي معنوياً دون أن يفزعهم دوي السقوط المروع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق