عندما يصبح ذلك آخر الدنيا!
هناك قصص تدرك جيداً أثناء قراءتها,أنها لن تربط بك طويلاً,حين تنام الليلة وتصحو,لن تذكرها لأحد أو تتذكرها لنفسك.عكس ذلك تماماً يحدث مع يوسف إدريس في آخر الدنيا,لا يمكن أن تتبع قصة بأخري,حتي لا تفسد الطعم,الذي تذوقته منذ قليل,لابد من السرحان,والتخيل,تثور الصور والأفكار والخيالات في رأسك,ولا يوقفها عقب كل قصة إلا الشوق لقصة أخري من المجموعة,إنسانية دفاقة تحملها كل قصة,ونماذج بشرية لها العجب كله,وضعها إدريس تحت مجهره,ليقربها للقارئ,ليصوّر كمّ, الشجن والحزن الذي يعتمل في صدور البعض,المجموعة كلها تحفل بشجن غريب,كتبها إدريس في حالة خاصة,حيث الجميع له مطلب وحلم وأمنية,عادة يفشل في تحقيقها,أو يحققها ولكن بطريقة تبدو فاشلة.ففي قصة الأحرار,توّد الشخصية الرئيسية,أن يتشعر بإنسانيتهاوأنها ليست كالآلة الكاتبة!!!الأمر العادي هنا ليس عادياً بل قد يتوقف عليه مستقبل إنسان يرفض أن يُضيف حرفاُ لخطاب طلب منه المدير كتابته!!لنكتشف أننا جميعاً آلات كالآلة الكاتبة,وإن كنا لم نكتشف ذلك,سيساعدنا يوسف إدريس علي اكتشاف ذلك الأمر الذي من فرط عاديته,يتحول لصدمة حين رؤيته بدون رتوش,وبعين مجردة.
القصة التي تحمل المجموعة اسمها,يموت فيها الطفل أثناء بحثه عن قطعة نقود,حين يجدها علي فوق شريط القطار,لكلٍ منا قطعة نقوده,أياً كانت,التي قد يقفد أو يفني عمره في سبيل أن يحصل عليها,فلا نري في الدنيا غيرها كما كان الطفل,حين تصبح الدنيا كلها في كفة والقطعة في كفة,يميل أحدنا لقطعته مضحياً بالدنيا!!!أطول القصص حجماً الغريب هي أيضاً تحمل نفس فكرة آخر الدنيا الفكرة المسيطرة علي المرء,حين تنزعه من عالمه وجذبه لعالم آخر,حتي ولو كانت أن يقتل أحداً,أي أحد!!!
يوسف إدريس كطبيب,يُشرح الإنسان الذي أحبه دوماً,وعاش يحكي عنه طوال حياته,في واحدة من عملياته الأدبية التي تعالج النفوس وتضمدها....أحياناً تمزقها بالمشرط وتتركها تنزف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق